#صوت_اللؤلؤة |كريم المحروس: مبارزة مثيرة بين “الضامن” الأمريكي والمترقب الثوري

#صوت_اللؤلؤة |كريم المحروس: مبارزة مثيرة بين “الضامن” الأمريكي والمترقب الثوري 

كيف يعمل ميزان القوى السياسي في حوادث البحرين، وإلى أين يسير؟! وهل هناك مرجحات سياسية واضحة المعالم غير مقيدة بتداعيات التخلف عن مبادئ ثورة 14 فبراير المثيرة للجدل؟! وهل ستتمكن هذه المرجحات من تقرير واقع مختلف عن الصورة السياسية النمطية السائدة على شكل جدل حكومي ومعارض محصور في شؤون قانونية او إجرائية موجبة للتجدي…د أو للتعديل؟ وما علاقة ذلك بالمسار السياسي الذي يتجه – بحسب الاحتمالات- إلى مخرج توافقي خاص منقلب على مبادئ ثورة البحرين وقابل لصياغة حكومية منفردة بدعم وتأييد وضمان أمريكي؟

لا أحد يستطيع أن يقدم قراءة متكاملة عن تطورات البحرين في هذا الشأن وفق معايير السياسة المعمول بها بين النزاعات والصراعات والأزمات السياسية العربية المماثلة. ويعجز طرفا التأثير المباشر أيضا المتمثلين في “المعارضة الثورية والجمعيات الملكية” البحرانية عن رسم صورة واضحة المعالم وفق تلك المعايير المتكررة ذاتا وموضعا.

فالثوريون خارجون على الميثاق والدستور والقانون ويقاومون الإجراء الحكومي في الميادين بلا غطاء سياسي معرّف ومعوّض عن غياب قادتهم ورموزهم الثورية المسجونين، لكنهم يحققون في كل مرحلة من مراحل نضالهم كسبا وتأييدا شعبيا مطردا، والجمعيات الملكية (وريث المعارضة التقليدية) من جهتها تجد في ذلك تفوقا يستوجب منها التظاهر بالثورية حينا من أجل المحافظة على استقرار تيارها الشعبي الذي يمثل أداة فعلها السياسي الوحيد شكلاً وغير المضمون انتماءً بينما تسعى جاهدة إلى معادلة ثوريتها الظرفية هذه أمام النظام الحاكم وقانونه حينا آخر بمزيد من التميز “المعقول” عن ثورية المعارضة من خلال التمسك بمطالب سياسية مرنة جدا رجاء الاستجابة الفورية للنظام والأمريكيين بحكم ضرورات الإنقاذ من الإنهيار الأمني الشامل تحت وقع تطور ميادين “المعارضة الثورية”.
فالقضية البحرانية خاصة مضطربة على نحو اختلط فيها الحابل بالنابل على جميع المستويات، غير أن المعارضة الشبابية الثورية التي ولدتها الثورة في يومياتها تمتلك منهجا ثابتا غير مقيد بزمن مقدر ولا بظرف سياسي طارئ وغير ملزم بأي تسويات أمريكية منفردة تعقدها جهة سياسية ما مع آل خليفة وإن تمثلت في الجمعيات الملكية، ذلك يرشحها لمهمة اخترق كل الحلول المحتملة غير الثورية وتقويضها حين تستكمل بمراحل النضال الاستعدادات المناسبة لخلق وضع ثوري انقلابي مختلف.

هذه الحال الثورية بددت فكرة إرساء عامل “الضامن” الذي كان مفقودا في حوار انتفاضة 1995م وأصبح اليوم ضرورة لا مناص من توفيرها. فلا الجمعيات الملكية قادرة على توفير “الضامن” لآل خليفة والامريكيين من أجل الخروج بحل سياسي مرضي شعبيا ، ولا المعارضة الثورية مستعدة لتوفير عامل “الضامن” في حوار لا علاقة له بأهداف ثورة 14 فبراير 2011م وآمال الشعب وتكون واشنطن طرفا متآمرا فيه.

وفي المقابل تبدو الجمعيات الملكية مكبلة بقيدين: موقف ملكي خليفي يرى في الجمعيات ذاتها أداة قابلة لعمل على نفي وجود المعارضة الثورية وتحطيم أدواتها ومن ثم عزلها عن تيارها الشعبي الثوري، ولا تشكل الجمعيات في واقع الصراع الراهن – بحسب قراءة آل خليفة- مصدر ضغط سياسي ذي حجم خطير يستدعي ضرورة عاجلة من أجل إقامة تغيير أساسي في الدولة في حال نجحت الجمعيات والنظام في تبديد قوى المعارضة الثورية وكسر شوكتها اجتماعيا وأمنيا. وموقف ثاني دولي أمريكي بريطاني مؤمن بضرورة العمل على تطوير الدستور والقوانين والإجراءات وفقا لمعايير دولية ولكن ينبغي – بحسب هذا الموقف- تسليم مقاليد الأمور الى “سيادة” آل خليفة لتقرر ما تجده ملائما وفق توازن القوى المحلي وعناصر الدعم والاسناد في المحيط الاقليمي. وشكّل الموقف الامريكي على وجه أخص عامل احتواء وتوازن ردع للجمعيات الملكية ذات العلاقة جعلها بين خوف ورجاء حتى أضعفها وأفقدها جدية الموقف.

ما تسوقه الجمعيات الملكية من فكر سياسي في الوسط الشعبي دعائي صرف لا يمثل الحقيقة الثورية الكلية ويخفي الكثير من أسرار وعود المفاوضات الفاشلة والاتفاقات البينية التي جرى نقضهما من قبل آل خليفة والامريكيين بحسب جمود أو تطور فعاليات المعارضة الثورية في ميادينها إضافة إلى تراجع أثر النفوذ المانع والجامع والضاغط التابع للجمعيات إزاء هذه التطورات.

وكلما تقدمت المعارضة الثورية في تسجيل حضور شعبي منظم وفاعل في إطار أهداف ثورة 14 فبراير؛ وجدت الجمعيات السياسية نفسها مجبرة على لعب دور الشرطي المسؤول عن معالجة الموقف الثوري المعارض وتبعاته أمام التوافقات ووجهات النظر المتبادلة مع نظام آل خليفة والامريكيين، ذلك أوجب عليها العمل بجد على بسط السيطرة الكاملة على الإمكانيات المادية والبشرية التابعة للمعارضة الثورية بأدوات حزبية شعبية فضلا عن الحرص على اختراقها والسعي لاحتوائها وفرض الوصاية عليها بعناوين مختلفة تمهيدا لتأسيس علاقة تفاوضية واثقة مع آل خليفة والأمريكيين. 

الثورة البحرانية الحادث الجديد الواقع في ظرف اجتماعي وسياسي معقد جدا؛ تخلت فيه الجمعيات الملكية (امتداد المعارضة التقليدية) عن مسارها النضالي السلبي العريق، واندكت في مؤسسات نظام الطاغية، وعملت تحت ظل قوانينه وخضعت للإجراءات القمعية القديمة التي ناضلت من قبل من أجل تقويضها بالقوة وبالفكر الثوري، فأصبحت في يوم شعبي ثوري مفاجئ شرطيا قد يتحصل على مكسب سياسي جزئي ويجمع به مغانم كثيرة قد تبدو غير منظورة في خارج خواتيم التسويات ولكنها متوقعة، وكان بمقدورها أن تضحي بهذه المكاسب والمغانم وبأطماع الإنفراد بـقيادة “الحق النضالي التاريخي” وذلك في سبيل تقرير مصير هذا البلد المنكوب منذ عام 1883م ولو بقليل من التريث ، لكن العجلة في فرض الوصاية والادعاء بتمثيل الإرادة الشعبية كانت فيها ندامة.. فمن سيدفع ثمن هذا الموقف المتعجل النتائج تحزبا؟!

“المعارضة الشبابية الثورية” شكلت حركة تجديد في النظرية والموقف، وقامت على قواعد مستخلصة من تجارب المعارضين الثوريين القدامى والمخلصين الذين رفضوا الإندكاك في مواثيق الدولة الخليفية وأحكامها. ومن أخلاقها الثورية أنها رفضت أن تتبنى موقف الوصي على إقطاعات شعبية مصطنعة كما فعل الآخرون المتحزبون ظلما وعلوا بعناوين دينية أو وطنية، ولكنها في نفس الوقت لن تقف مكتوفة اليدين أمام قطار التسويات وهو يمر على سكة ضمانات أمريكية مجحفة بحق الشعب البحراني المصدر الوحيد للسلطات كافة ، لأنها “معارضة” نشأت على أرض ميدان الشهداء وكان منطلقها الثوري والاحداث الجارية من صناعة ثورتها.. وعلى علم قطعي بأن الضمانات الأمريكية لن ترد في التسويات إلا لأجل دعم آل خليفة في تطبيق مشروع إعادة صياغة الإجراءات الطائفية السرية بما يكفل لهم البقاء ملوكا مستبدين دهورا أخرى وبما يزيد في محنة البحرين ألما سياسيا وشتاتا اجتماعيا وقهرا طائفيا.

بيننا وبين الذكرى الثالثة لانطلاق ثورة 14 فبراير شهور قليلة ستكون حبلى بالتحولات السياسية والتطورات الميدانية، وستتضح على أثرهما معالم الثورة في اتجاهاتها السياسية ومساراتها الفكرية بحيث نستطيع عندها أن نؤكد على أن قدرة “الضامن” الثوري من أجل تحقيق الفوز بمبدأ تقرير المصير للشعب والبلاد أعلى وأجل وأكثر نفرا وعزا من “الضمانات” الامريكية وإن كانت الجمعيات الملكية أدواتها ومحل ثقتها.

كريم المحروس 14/5/2013م

هذا المنشور نشر في أخبار عامة وكلماته الدلالية , , , , , , , , , , , , , , , , , , . حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق